ثمة، في تونس ومجمل الشمال الأفريقي، ما يجعل من الحفر في ما هو أبعد من العصور الإسلامية متعثراً. أسباب ذلك متعدّدة، تبدأ بمحدّدات الهوية الحالية، دينياً وقومياً، إضافة إلى قدرات علمية أوسع يقتضيها البحث في هذا النطاق وتوسيع دائرته الجماهيرية.
لعل دراسة المرحلة البونية (عصر صعود دولة قرطاج: من القرن السابع إلى القرن الثاني قبل الميلاد) تجد نفسها أمام هذه العوائق، وهي موضوع الندوة التي تنعقد اليوم في فضاء "نوفوتال" في العاصمة التونسية بعنوان "قرطاجيّون"، ضمن برنامج بعنوان "لنبدأ بالتصالح مع ذواتنا" تنظّمه جمعية "تونس الفتاة" و"مؤسسة كونراد أديناور" الألمانية.
لا تستند الندوة إلى تقديم أعمال بحثية لمؤرخين فحسب، إذ أنها تستدعي المسرح لتقريب العصر البوني من المتابعين، لنجد في البرنامج عملاً مسرحياً بعنوان "حنّون" يعرض رحلة أحد التجّار القرطاجيين نحو الشواطئ الغربية لأفريقيا، كما يُقام عرض آخر، إلقائي، بعنوان "ماغون". أما آخر العروض المقدّمة فستكون بعنوان "الأخوان فيلان، حنبعل في مواجهة شيبيون". صمّم هذه المشاهد وكتب نصوصها الطاهر عيسى بن العربي.
من المحاضرات التي سيجري إلقاؤها أيضاً "ميلاد دولة قرطاج" للباحث التونسي في التاريخ عماد بن جربيانة، فيما يقدّم المؤرخ محمد حسين فنطر ورقة بعنوان "ماغون: الفلاحة علماً"، ويحاضر الباحث يامن الصغير حول التجارة والاكتشافات الجغرافية لدى القرطاجيين.
يحاول المشاركون في هذه التظاهرة إبراز عدم تناقض الاعتراف بالتراث ما قبل الإسلامي مع الهوية التونسية كما استقرّت في القرون الأخيرة، رافعين دعوات بإعادة مراجعة طرق تمرير التعامل الرسمي والمجتمعي، مدرسياً وإعلامياً، مع أهم مكوّن حضاري عرفته المساحة الجغرافية التي تسمّى اليوم تونس في مرحلة ما قبل الفتوحات الإسلامية.
اقرأ أيضاً: أرتور بيرسي: قرطاج ونهاياتها المتعددة